تشير بعض المصادر إلى أنّ سامي الشوّا ولد في حلب، غير أن مذكّراته تفيد أنّ مولده كان في القاهرة بحيّ باب الشعرية، لعائلة أرثوذكسية من حلب عريقة في عالم الموسيقى. فجدّه الكبير يوسف كان عازف كمان ماهراً في مطلع القرن الثامن عشر، وقد أسّس تختاً أسماهنوبة شوّا، وكان مكوَّناً من أشقّائه أنطوان (كمان) وعبّود (عود) وحبيب (طبلة) ومن ابنه إلياس. أمّا جدّ سامي المباشر فقد كان عازف قانون.
ذاع صيت نوبة شوّا التي قدّمت عروضاً في حلب أشهرها تلك السهرة المذكورة في بعض المراجع، يوم عزفت أمام إبراهيم باشا الذي وصل المدينة غازياً.
اشتهر أنطوان، والد سامي الشوّا، عازفاً ماهراً على الكمان. انتقل من حلب إلى تركيا حيث افتتن بعزفه السلطان عبد الحميد. ثم سافر إلى مصر حيث لم يكن الكمان منتشراً في التخت المصري، فعزف مع الكبار ومنهم عبده الحمولي. وخلال تلك الفترة ولد للعائلة سامي وشقيقاه، ثم عادت العائلة إلى حلب حيث تعلّق الطفل سامي بآلة الكمان تعلقاً شديداً رغم معارضة أبيه. إلا أنّ والدته وجدّه إلياس توسّطا له فعاد الوالد ورضي عنه. وذاع اسم سامي في حلب كمعجزة موسيقيّة. ولم يكد يبلغ الرابعة عشرة من عمره حتّى أرسله والده إلى مصر فسحر الجمهور بعزفه محاطاً بكبار الموسيقيّين ممّن كانوا من أصدقاء والده.
التقى سامي الشوّا صديق أبيه عازف العود الشهير منصور عوض، وهو واحد من أبرز الفنانين المتعاقدين مع شركة “غراموفون” في القاهرة. ففتح له التعاون معه أبواب المجد وطفق سامي الشوّا يصاحب كبار مطربي بداية القرن العشرين. وكثيراً ما كان يحلّ محلّ أشهر عازفي الكمان، مثل إبراهيم سهلون، العازف الأهم في التخت المواكب ليوسف المنيلاوي وعبد الحي حلمي.
وفي عام 1906 أسّس الشوّا بالاشتراك مع منصور عوض مدرسةً لتعليم الموسيقى على النمط الأوروبي المعتمد على التّرقيم الموسيقي. وفي هذا الإطار كتب عدداً من الأعمال التربوية مثل “منهج العود الشرقي” (1921). وفي عام 1946 كتب بحثاً في نظريتَيْ الموسيقى العربية والغربية. كان الشوّا عاملاً دؤوباً لا يعرف معنى التعب وقد صار العازف الأوّل المصاحب للمطربين الكبار خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى ووفاة إبراهيم سهلون سنة 1920. وظل سامي الشوّا مهيمناً على الساحة الموسيقية حتى أواسط الثلاثينات من القرن الماضي. وكان من أهمّ المساهمين في انطلاقة سيّد درويش\، إذ أجبر شركة “بيضافون” على أن تسجّل له تسع أسطوانات كانت باقية من عقده مع هذه الشركة بعد ممانعة بطرس بيضا الذي لم يكن آنذاك مقتنعا بسيّد درويش إلى أن حقق هذا الأخير أرباحاً كبيرة من بيع أسطواناته. وكانت للشوّا علاقات كثيرة ومتينة مع رجال الأدب والفكر في مصر، ونذكر منهم الإمام محمد عبده ومصطفى كامل وقاسم أمين وأحمد شوقي الذي أُعجب كثيراً بأدائه فأهداه قصيدة مطلعها:
يا صاحب الفن هل أوُتيته هبةً
|
وهل خلقت له طبعاً ووجداناً
|
وهل وجدت له في النفس عاطفةً
|
وهل حملت له في القلب إيمانا
|
كان الشوّا ملمّاً بأصول الموسيقى العربية لا سيما خصائص الموسيقى العراقية ممّا جعله يفيد مؤتمر الموسيقى العربية المنعقد في العام 1932 عن خصائص تلك الموسيقى ومقوّماتها. وقد جدّ في الإعداد لهذا المؤتمر وشارك في أعمال لجنة السلّم الموسيقي التي بدأت أعمالها التحضيرية منذ عام 1929 وساهم مساهمة كبيرة في أعمال المؤتمر ومناقشاته النظرية.
ومع تحوّل الإنتاج الموسيقي في مصر، أواسط ثلاثينات القرن العشرين، حين بدأت نوازع التّحديث والتّغريب تجرف كلّ ما سبق، لم تعد خيارات الشوّا الفنية قادرةً على الصمود، ولم يعد له مكان ولا مكانة وسط هذا المسار التغريبي الذي قاده محمد عبد الوهاب. ولم يكن على كلّ حال لهذه الشخصية القوية مكان في المجموعات الموسيقية الكبيرة التي اعتمدها المطربون. فقد اضمحل شيئاً فشيئاً تأثير سامي الشوّا في الساحة الموسيقية في مصر، إلا أنه بقي على علاقة وثيقة بشركة “غراموفون” وثابر على التعليم وقام برحلات فنية عديدة إلى أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية. وقد بقي لنا من زيارته للولايات المتحدة تسجيلات في غاية الجمال.
توفّي سامي الشوّا في القاهرة يوم الثالث والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) 1965 تاركاً إرثاً مهمّاً مِن التسجيلات يظهر المكانة المرموقة التي بناها الشوّا ـ بعد أبيه ـ للكمان العربي.